خليقون بالتقدير
محمد نعيم فرحات*
ينتمي التكريم لأعلى القيم واسماها نسبا واصلا، كما انه اعتراف يصدر عن وعي ابيض، نظيف، وعن وجدان شهم وجميل، وهو عينه من أثمن مقتنيات خيال الناس.
وما من ثقافة عرفت التكريم والاعتراف إلا وارتفعت بنفسها إلى أفق عال، وتفوقت بصورة تدعو للغبطة وللإحساس بالأمان الوجودي وصواب السر والسريرة، لان ثقافة تقوم على التكريم كقيمة أصيلة وتؤكده كممارسة عميقة، هي ثقافة عالية يصعب أن تعرف معنى الانتكاس، ويقول فقه التكريم بأنه يستهدف كراما أصحاب نفوس خصبة تلاقي أزمنتها في المكان الأكثر لياقة وبالمعاني الأجمل، أما الكلام عن التكريم فلا يسقط سهواً، ويزيده التقادم قيمة، ولا يحتاج التكريم لمناسبة كي يفصح عن نفسه.
***
في حياتنا عرفنا أناسا كثيرين بعينهم، منحونا من خلال خصالهم الخصبة الثقة والامان، وأضافوا لوعينا بعدا مهما ، وكانوا تعويضا يتجاوز شخوصهم ومدى قدرتهم الفعلية .
ومن بين هؤلاء محمود عيسى ، الذي يحمل من الألقاب رتبة لواء، ويحتل من المواقع قيادة الدفاع المدني في فلسطين، لكنه وقبل أن يحمل الرتب على كتفيه والمسميات المتعددة التي كانت له، كان لواءً وأكثر في قلوبنا ومحباتنا واعترافاتنا له. وكان سليلا للخيارات العالية التي تمثلت التجربة الفلسطينية ذات يوم بكتيبة الجرمق .
ولطالما كان وظل، دمثا ومرهفا ، حساسا ومسؤولا، في نظرته قوة التزام شفيف بهم الناس وبوجعهم وبأملهم، رقيق قريب للنفس، وابن قيم على روابط عميقة بأصل طيب، ولأن العلاقة السّوية بين الإنسان والآخرين والعالم هي حصيلة عقود المروءة التي يقيمها بينه وبين نفسه، فقد كان احترام محمود عيسى للناس ولعواطف شعبه ومصالحه تعبيراً عن عقد المروءة هذا، لأن الذي يحترم نفسه ويقدرها حق قدرها ، هو الذي بمقدوره أن يحترم الناس ويعطيهم القدر الذي يستحقون، وهنا يرتد تقديره لهم رضا في نفسه، فيرتفع نحو المحترمية وتخومها العالية بارتدادات صدى احترام الآخرين الثمين .
ورغم تقلبات الدنيا والأحوال والأطوار والنفوس، ظل محمود عيسى مخلصا ووفيا لمنظومة القيم النبيلة التي حكمت وعيه، وقدما مع الزمن تحولت لدليل متين حكم سلوكه، ومن دواعي السرور أن يكون محمود عيسى منا وفينا، رجلا رهيفا مشغولا بيقظة لتخفيف وجع الناس، لن ينال منه ألم في الجسد أو وجل مهما كان، طالما ظل ابيض الصوت، والأمل يملأ وجهه ، ويعكس وفرة في صحة النفس والوعي والوجدان، وما كان للمرض يوما ، المرض بما هو فعل يمس الجسد، قامة تطاول النفوس العالية.
محمود عيسى الجدير بالاحترام، الخليق بالتقدير، هكذا عرفناك، وهكذا نراك، وهكذا نحبك ونقدرك ونستذكرك بجمال يليق بك وتليق به.
*كاتب وأستاذ جامعي من فلسطين