مقدمة

 تعرض الإنسان منذ بدء الخليقة للكوارث الطبيعية والتي كانت تترك ورائها آثارا مدمرة وخسائر فادحة في الممتلكات وفقدان كبير في الأنفس والسكان.وكان يصعب على المجتمعات القديمة مواجهة تلك الكوارث لقلة الإمكانات المتوفرة أو لعدم وجودها، والعامل الأكثر أهمية هو عدم وجود التنظيم الكافي على صعيد الدول والممالك لمواجهة هذه الكوارث.

 ومع حلول الحرب العالمية الأولى وتصاعد الاختراعات التدميرية التي استخدمت في الحروب كالأسلحة الكيماوية والأسلحة الجرثومية وتاليا الأسلحة النووية، وما رافقه من تصنيع للمتفجرات على نطاق واسع وتطور صناعة الألغام وخاصة الألغام المضادة للأفراد، فقد أضيفت إلى الكوارث الطبيعية كوارث من نوع جديد أهم خصائصها أنها من صنع الإنسان، وخلال نفس الفترة ولاحقا عليها أضيفت أيضا الكوارث الناجمة عن تطور الصناعة والتي بدأت تلقي بملايين الأطنان من المواد السمية في أحشاء الطبيعة إضافة إلى الخسائر الكبيرة التي سببتها الأخطاء الصناعية، لكن ما يميز أخطار المخترعات العسكرية عن غيرها أنها فعل مقصود من الإنسان يهدف إلى إحداث اكبر تدمير في صفوف الأعداء. وفي حالات كثيرة يكون المدى الفتاك لهذه الأسلحة شاملا على الصعيد المكاني والزمني، قنبلة هيروشيما وناغازاكي تركتا اثرا مستديما إلى يومنا هذا عبر التشوهات الخلقية وانتشار السرطان، كما ان انفجار مفاعل تشيرنوبل أدى إلى تلوث بيئي امتد على مدى عشرات السنوات ان لم يكن على مدى المئات.

وبالمقابل فأمام العجز القديم في مواجهة الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية فقد تطورت بالتوازي مع تطور الأسلحة الفتاكة والصناعة أساليب جديدة لمواجهة الكوارث ايا كان مصدرها، كما تأسست وتطورت المنظمات التي تخصصت في مواجهة هذه الكوارث وتوقع حدوثها والتحضر لها أو العمل على منعها أو التقليل من نتائجها المدمرة.

ولم يقتصر الأمر على إنشاء مثل هذه المنظمات داخل الدول، بل شكلت الحرب العالمية الأولى والثانية حافزا لتوحيد هذه المنظمات على المستوى العالمي فكان ان نشأت منظمة الصليب والهلال الأحمر الدولية، ومنظمة الحماية المدنية الدولية.

تعريف:

 الحماية المدنية وفق التعريف الدولي هي: “حماية ونجدة الإنسان والممتلكات في كل الظروف، زمن الحرب والاضطرابات وأثناء النكبات”.

وعلى الرغم من قصر هذا التعريف الا انه شامل وواضح، فهو من جهة يتطرق إلى هدف إقامة منظمة الحماية المدنية بأنها نجدة الإنسان وممتلكاته مجردا، بغض النظر عن اللون أو العرق أو الدين.

لمحة تاريخية:

إن فكرة الحماية من الأخطار الطبيعية (الزلازل- البراكين- الرياح- الأعاصير. الجفاف والفياضان) وأخطار الحروب عرفت منذ أقدم الأزمان، ففي حين عملت بعض الدول القديمة على تنظيم مكافحة الآفات والمصائب كالإمبراطوريات الفرعونية وممالك ما بين النهرين وإمبراطوريات الصين، فإن بعض الشعوب تعاملت معها من منظور السحر المطلق، ومع تطور البشرية تطورت وسائل التنظيم والإمكانات المادية في مواجهة مخاطر جديدة ناجمة عن الثورة الصناعية والتكنولوجية التي غيرت تماما وجه الأرض. فالتطور البشري كان شاملا في مجال اسلحة الدمار والصناعة الحديثة والمخترعات فائقة التعقيد، وكذلك لاحق التطور التفكير الإنساني في مجال الحماية الحماية المدنية لتفادي الآثار التدميرية لهذا التطور وآثار غضب الطبيعة والذي تأثر هو بدوره من التطور البشري وبالذات فيما يتعلق بالتغيرات المناخية الهائلة التي اجتاحت الأرض فقط عبر بضعة عقود لا غير. أسلوب التنظيم الحديث للحياة الاجتماعية صار يهدد في كل حين بانفجار كارثة وخاصة في المدن الكبرى حيث يتراص مئات الآلاف من السكان وتنتشر المركبات الصناعية الضخمة وتتراكم أنواع المواد المهلكة مما جعلها ملتقى لكل المخاطر والنكبات بالإضافة إلى ما يطرأ في بعض الدول من اضطرابات ونزاعات مسلحة أو حروب من حين لآخر .. كل ذلك دفع أغلبية دول العالم إلى التفكير في إنشاء جهاز توكل إليه حماية الإنسان وممتلكاته من الأخطار.

تعد بريطانيا الدولة الأولى في العالم التي نظمت الحماية المدنية عام 1935م، وعند اشتعال نيران الحرب العالمية الأولى استغلت هذه المنظومة في وضعت التدابير الاحترازية ضد الغارات الجوية وأول ذلك قيام مجلس الدفاع المدني بإقرار خدمة الدفاع المدني السلمي سنة 1940م.

 أما بقية الدول المشاركة في الحرب العالمية الثانية فإنها لم تكن مهيأة لمجابهة الكوارث التي حلت بالأشخاص والممتلكات ذلك لان الحماية المدنية لم تكن موجودة ضمن هرم الدولة، ولم يخطر على بال السلطات الحكومية قبل الحرب العالمية الثانية أن تضع نظاما عاما وشاملا على الصعيد الوطني يطبق زمن السلم فبقي شأن الكوارث الطبيعية متروكا للسلطات المحلية كالبلديات والقرى فلا نظام ولا إعداد فعند وقوع الكارثة يتدخل الأهالي والمتطوعون الذين يقومون بنشاطات مختلفة وغير منسجمة فيما بينها.

 وكان الطبيب الفرنسي جورج سان بول قد اسس عام 1931 جمعية في باريس اسماها جمعية “مرافئ جنيف” والقصد منها توفير الأماكن الآمنة للسكان المدنيين أثناء الحرب، وبانتقال هذه الجمعية من باريس إلى جنيف عام 1937 أطلق عليها اسم الجمعية الدولية للحماية المدنية .

ولقد ظهر الشعور بضرورة تنظيم هيكل الحماية المدنية على الصعيد العالمي سنة 1960م. وعلى الصعيد العربي تم عقد مؤتمر الحماية المدنية في المملكة المغربية عام 1981م حيث تقرر إنشاء (هيئة عربية للحماية والإنقاذ) كما تمت الموافقة عام 1983 على إنشاء المكتب العربي للحماية المدنية والإنقاذ تابع لمجلس وزراء الداخلية العرب (جامعة الدول العربية)، وتجد الإشارة هنا إلى ان فلسطين عضو في مجلس الحماية الدولية منذ تأسيس السلطة الوطنية.

في عام 1974 اجتمعت لجنة من الخبراء من كافة الدول واتخذت عام 1977م قرارات نصت على إعطاء أجهزة الدفاع المدني والحماية المدنية مهمات إنسانية ودورا هاما في معالجة الصراعات والنزاعات الحربية، فاكتسبت المنظمة بذلك صفة قانونية دولية وتم الاعتراف بشارتها التي أصبحت على شكل مثلث ازرق متساوي الأضلاع على أرضية برتقالية. وقت الحرب وقد تضمنت المواد (61، 62 ، 63 ، 64 ، 65 ، 66 ، 67 ) على أن لأجهزة الدفاع المدني مهمات إنسانية هدفها السكان المدنيين ضد أخطار الأعمال العدوانية ومساعدتهم على مواجهة آثارها وذلك عن طريق:-

 1- الإنذار

2- الإخلاء

 3- تهيئة الملاجئ

 4- الإعلام

5- الإنقاذ

 6- الإسعاف

 7- اكتشاف المناطق الخطرة وتحديدها ووضع الإشارات.

 8- مكافحة الأوبئة

 9- توفير المأوى والمؤن أوقات الطوارئ .

 10- المساعدة على حفظ النظام والحفاظ على المناطق المنكوبة .

 11- دفن الموتى .

 وبالطبع فإن التعاون الدولي في هذا المجال يهدف إلى تنظيم المساعدات الدولية والإقليمية في حالات الكوارث والتعاون مع سائر المنظمات والمؤسسات ذات الأهداف المماثلة، وتبادل المعارف والخبرات

مهام واختصاصات الحماية المدنية:

تقوم الحماية المدنية بكافة مهام واختصاصات الدفاع المدني فيبعض الدول وفي بعض الدول تحدد لهام مهام وأهداف خاصة بها تتولاها إثناء الطوارئ منها:

 1تصنيف المخاطر بمختلف أنواعها ووضع الحلول المناسبة لمواجهتها.

 2.الوقاية من الأخطار الطبيعية والصناعية والحربية والتخفيف من نتائجها والعمل على استمرار عمل المرافق الهامة ووضع الإجراءات والأعمال المناسبة لحماية الأرواح والممتلكات العامة والخاصة.

 3.التخطيط لمواجهة حالات الطوارئ للمتضررين من آثار الحوادث والكوارث القدرية والصناعية والحروب

 4.وضع الخطط العامة للطوارئ ووضع الأسس التي يتم بها إعداد الخطط التفصيلية ومتابعة اللجان الرئيسية بالمناطق.

 5.إعداد الدراسات العلمية والميدانية لتحليل وتحديد المخاطر المحتملة والتنسيق مع كافة القطاعات والمؤسسات الحكومية لإعداد الخطط العامة للتدخل في حالات الكوارث.

 6.إعداد نظم التدخل السريع في حالات الطوارئ

 7.إعداد الخطط اللازمة للاستفادة من المتطوعين

 8. إعداد خطط الإخلاء والإيواء في حالات الحروب والطوارئ.

 9.إعداد وتنفيذ الخطط والسياسات والبرامج لتطبيق ما ورد في نظام الدفاع المدني ولوائحه المتعلقة بأعمال الحماية المدنية.

 10.تنفيذ ما تنص عليه لائحة المتطوعين وإعداد الخطط اللازمة للاستفادة منهم.

 11.التنسيق مع الجهات المختصة لإعداد خطط الإنذار من الأخطار.

 12.التنسيق الدائم مع كافة الوزارات والمصالح الحكومية المسئولة عن تنفيذ أعمال الدفاع المدني.

 13.تأهيل وتدريب مندوبي الحماية المدنية لمواجهة المخاطر المحتملة.

 14.الحماية من أخطار الحروب الكيميائية والجرثومية والنوويةNBC5.

15. إقامة معسكرات الإيواء المؤقتة والثابتة لإيواء المتضررين والمشردين.

أقسام الحماية المدنية:

أولا- تحليل المخاطر الحماية المدنية معنية بالنظر في معرفة وتحديد الأخطار التي تحدث أو تلك التي يحتمل حدوثها في البلاد وتحديد مستلزمات الحماية والإجراءات المطلوبة لمواجهتها.

 ثانيا-التخطيط للطوارئ كما أنها معنية بوضع الخطط العامة للطوارئ والحروب وتضع الأسس التي يتم بها إعداد الخطط التفصيلية وتتابع أعمال اللجان الرئيسية بالمناطق وتشرف على إصدار اللوائح والأنظمة الخاصة بأعمال الإدارة العامة للحماية المدنية تنسيقا مع الأمانة العامة لمجلس الدفاع المدني.

 ثالثا – الاستعداد والمواجهة تولى التخطيط لمواجهة حالات الطوارئ للمتضررين من آثار الحوادث والكوارث القدرية والصناعية والحروب والطوارئ من إخلاء وإيواء وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه والعمل على توفير الطعام والكساء والمأوى المناسب (من الجهات المعنية)لمساعدتهم في العودة على أسرع وجه ممكن إلى ظروف الحياة الطبيعية.

رابعا- نظم الإنذار والتوجيه معنية بالتخطيط لنشر شبكة الإنذار ووضع المعايير والمقاييس العامة لمواصفات المخابئ ومتابعتها وتوعية أفراد المجتمع بأعمال الحماية المدنية وتنظيما لإجراءات التنفيذية لأعمالها وتهيئة غرف ومراكز العمليات لإدارة أعمال مواجهة حالات الطوارئ

 خامسا – البرامج والتوثيق معنية بالتخطيط لوضع البرامج اللازمة لتأهيل منتسبي الحماية المدنية ومتابعة إجراءات التعامل مع المستشارين وكذلك توثيق أعمال الحماية المدنية بالحاسب الآلي.